حرائق الجبل الأخضر.. كارثة بيئية تهدد الرئة الخضراء في ليبيا

حرائق الجبل الأخضر.. كارثة بيئية تهدد الرئة الخضراء في ليبيا
حرائق الجبل الأخضر - أرشيف

في ليبيا، لم تعد حرائق غابات الجبل الأخضر مجرد مشهد موسمي متكرر في نشرات الأخبار، بل تحوّلت إلى ناقوس خطر بيئي مستمر، يهدد رئة البلاد الخضراء، ويقضم ببطء ما تبقى من تنوعها البيولوجي.

هذه الغابات، التي توصف بأنها "رئة ليبيا" و"رئة المتوسط"، باتت اليوم ضحية للحرارة، والإهمال، والنشاط البشري غير المنضبط، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA". 

ومع تكرار الحرائق عامًا بعد عام، تتزايد الخسائر وتتعالى الأسئلة: من المسؤول؟ وأين تقف الدولة؟ وهل يكفي الوعي المجتمعي وحده لوقف نزيف الطبيعة؟.

كنز بيولوجي واستراتيجي

الناشطة البيئية سميرة شغلالن ترسم في حديثها صورة قاتمة لكنها واقعية عن الوضع، وتوضح أن الجبل الأخضر ليس مجرد مساحة خضراء، بل كنز بيولوجي واستراتيجي لا تقتصر أهميته على ليبيا فقط، بل يمتد أثره إلى التوازن المناخي في حوض المتوسط بأكمله.

ويحتضن الجبل الأخضر نحو 80% من التنوع البيولوجي الليبي، ويُعد مصدرًا حيويًا للأوكسجين، وعاملاً أساسياً في امتصاص الغازات السامة وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون، لكن هذا الرصيد الطبيعي النادر يتآكل تحت نيران تتكرر بوتيرة غير طبيعية.

وأصبحت الحرائق التي كانت تُعد يوماً ما ظاهرة طبيعية عرضية، الآن أكثر اتساعاً، وتكراراً، وخطورة، ما دفع الخبراء إلى دق ناقوس الخطر البيئي والضغط نحو تغيير شامل في سياسات الحماية والرصد.

الأسباب بين الطبيعة والإنسان

بحسب شغلالن، الحرائق لها أسباب طبيعية، منها الجفاف، وارتفاع الحرارة، واحتكاك الأغصان الجافة. لكن الأرقام والتكرار الأخيرين يكشفان عن عوامل بشرية مباشرة وغير مباشرة، مثل الإشعال المتعمّد، الإهمال الفردي (إشعال نار دون رقابة، رمي أعقاب السجائر)، الرعي الجائر وغير المنظم.

بالإضافة إلى توسع الزحف العمراني على حساب الغطاء النباتي، وضعف التشريعات البيئية الرادعة، وقلة التوعية العامة، ما يخلق بيئة مهيأة للاشتعال والتدمير.

وتفتقر الجهات الرسمية في ليبيا إلى التقنيات الحديثة مثل الأقمار الصناعية ونظم تحديد المواقع الدقيقة، وهي أدوات أصبحت معياراً أساسياً في الدول التي تتعامل بجدية مع إدارة المخاطر البيئية.

ورغم مسؤولية وزارتي الزراعة والبيئة، وهيئة السلامة الوطنية، والدفاع المدني، فإن شغلالن تؤكد أن العمل ما زال تقليدياً وبطيئاً، ويعتمد على ردّ الفعل أكثر من التنبؤ.

التنبؤ يوفر كثيراً من الخسائر

"التنبؤ المسبق بالمناطق القابلة للاشتعال، يمكن أن يوفّر كثيراً من الخسائر، سواء بتقليص الرعي أو بعمليات تنظيف الأعشاب الجافة. حتى السكان يمكن أن يُدمجوا في شبكة المراقبة البيئية المحلية" – سميرة شغلالن.

وأشارت شغلالن إلى أن التنوع البيولوجي يتعرض لخسائر ضخمة، حيث تموت أنواع بطيئة الحركة مثل السلاحف والزواحف تحت ألسنة اللهب، وتنهار الأنظمة البيئية نتيجة فقدان التوازن بين الأنواع. كما أن بعض النباتات المقاومة للحرائق تنقرض، لتحل محلها أنواع جافة تسهّل انتشار النار.

التغير المناخي.. الكارثة الكبرى

الناشطة البيئية لا ترى ما يحدث في ليبيا بمعزل عن السياق العالمي. فظاهرة الاحترار العالمي الناتجة عن انبعاثات الكربون، ترفع درجات الحرارة، وتزيد من الجفاف، وتحفّز نشوب الحرائق بشكل غير مسبوق،

وتُحمّل السلوك الصناعي للإنسان جانباً كبيراً من المسؤولية: “السيارات، المصانع، الحروب.. كلها تساهم في الانبعاثات، في وقت يعاني فيه الكوكب من خلل مناخي متسارع”.

ورغم أن التكنولوجيا والتخطيط الرسمي ضروريان، إلا أن سميرة شغلالن تعيد التأكيد على دور الوعي البيئي الشعبي، وترى أن إشراك المدارس، وسائل التواصل، الأئمة في المساجد، وحتى جلسات المجالس القروية، يمكن أن يغيّر طريقة تعامل الناس مع بيئتهم.

وتشدد على ضرورة تطبيق القوانين البيئية الصارمة، ومحاسبة كل من يضر بالطبيعة: "لا يمكن أن نترك الأمور للتطوع والنية الحسنة فقط. لا بد من قانون يُنفّذ، وإجراءات تُفرض، ومسؤوليات تُحاسب".

وجه آخر نادر للظاهرة

في زاوية مختلفة، تلفت شغلالن إلى أن بعض الحرائق يتم التحكم فيها وتُستخدم لأغراض زراعية، مثل تنظيف الأرض أو قتل الآفات.

لكنها تحذّر من تعميم هذه الممارسات، مشيرة إلى أنها تحتاج مراقبة دقيقة، وخبرات بيئية حقيقية.

وفي ختام حديثها: "البيئة ليست شيئاً خارجنا.. نحن جزء منها. إن احترق الجبل، فنحن نحترق معه، علينا أن نُعلّم أبناءنا احترام الطبيعة، قبل أن نتحوّل نحن وإياها إلى ضحايا مشتركين لجهلنا".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية